الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وخرّج الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مسنده قال حدّثنا أبو المغيرة قال حدّثنا مُعَان بن رِفاعة، قال حدّثني عليّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أُمامة الباهليّ رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَرِيّة من سراياه؛ قال: فمرّ رجل بغار فيه شيء من الماء فحدّث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البَقْل، ويتخلى عن الدنيا؛ قال: لو أني أتيت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل؛ فأتاه فقال: يا نبي الله إني مررت بغارٍ فيه ما يقوتني من الماء والبَقْل، فحدّثتني نفسي بأن أُقيم فيه وأتخلى عن الدنيا؛ قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنِيفية السَّمْحة والذي نفس محمد بيده لَغَدْوة أو رَوْحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة».الثالثة قال علماؤنا رحمة الله عليهم في هذه الآية وما شابهها والأحاديث الواردة في معناها رَدٌّ على غُلاة المتزهدين، وعلى أهل البَطَالة من المتصوّفين؛ إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه، وحاد عن تحقيقه؛ قال الطَّبريّ: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح إذا خاف على نفسه بإحلال ذلك بها بعض العَنَت والمشقة؛ ولذلك ردّ النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على ابن مَظْعون فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبرّ إنما هو في فعل ما ندب عباده إليه، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسَنّه لأمَّته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون، إذ كان خير الهَدْي هَدْيُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشَّعر والصّوف على لباس القطن والكتان إذا قدَرَ على لباس ذلك من حلِّه، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حَذَرًا من عارض الحاجة إلى النّساء.قال الطَّبَريّ: فإن ظنّ ظانّ أن الخير في غير الذي قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة فقد ظن خطأ: وذلك أن الأوْلى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها، ولا شيء أضر للجسم من المطاعم الرديئة لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سببًا إلى طاعته.وقد جاء رجل إلى الحسن البصري؛ فقال: إن لي جارًا لا يأكل الفالوذج فقال: ولِم؟ قال: يقول لا يؤدّي شكره؛ فقال الحسن: أفيشرب الماء البارد؟ فقال: نعم.فقال: إن جارك جاهل، فإن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذج.قال ابن العربي قال علماؤنا: هذا إذا كان الدِّين قَوَامًا، ولم يكن المال حرامًا؛ فأما إذا فسد الدِّين عند الناس وعَمّ الحرام فالتبتل أفضل وترك اللّذات أولى وإذا وجد الحلال فحال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأعلى.قال المهلب: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن التبتل والترهب من أجل أنه مُكَاثر بأُمته الأُمم يوم القيامة، وأنه في الدنيا مقاتل بهم طوائف الكفّار، وفي آخر الزمان يقاتلون الدجّال؛ فأراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكثر النّسل.الرابعة قوله تعالى: {وَلاَ تعتدوا} قيل: المعنى لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله فالنهيان على هذا تضمنا الطَّرَفين؛ أي لا تشدّدوا فتحرّموا حلالًا، ولا تترخصوا فتحلوا حرامًا؛ قاله الحسن البصريّ.وقيل: معناه التأكيد لقوله: {تُحَرّمُوا}؛ قاله السُّديّ وعِكرمة وغيرهما؛ أي لا تحرّموا ما أحل الله وشرع.والأوّل أولى.والله أعلم.الخامسة من حرم على نفسه طعامًا أو شرابًا أو أَمَة له، أو شيئًا مما أحل الله فلا شيء عليه، ولا كَفَّارة في شيء من ذلك عند مالك؛ إلا أنه إن نوى بتحريم الأَمة عتقها صارت حرة وحرم عليه وطؤها إلا بنكاح جديد بعد عتقها.وكذلك إذا قال لامرأته أنت عليّ حرام فإنه تطلق عليه ثلاثًا؛ وذلك أن الله تعالى قد أباح له أن يحرّم امرأته عليه بالطلاق صريحًا وكناية، وحرام من كنايات الطلاق.وسيأتي ما للعلماء فيه في سورة «التحريم» إن شاء الله تعالى.وقال أبو حنيفة: إنّ من حرّم شيئًا صار محرّمًا عليه، وإذا تناوله لزمته الكفارة؛ وهذا بعيد والآية ترد عليه.وقال سعيد بن جبير: لغو اليمين تحريم الحلال.وهو معنى قول الشافعي على ما يأتي. اهـ.
.من فوائد ابن كثير في الآية: قال رحمه الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)}.قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رَهْط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: نقطع مَذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك: فقالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسُنَّتِي فهو مِنِّي، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني». رواه ابن أبي حاتم.وروى ابن مردويه من طريق العَوْفي، عن ابن عباس نحو ذلك.وفي الصحيحين، عن عائشة، رضي الله عنها؛ أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتِي فليس مني».وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مُخَلَّد، عن عثمان- يعني أبن سعد- أخبرني عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني إذا أكلت اللحم انتشرتُ للنساء، وإني حَرَّمْتُ عليّ اللحم، فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعًا، عن عمرو بن علي الفَلاس، عن أبي عاصم النبيل، به.وقال: حسن غريب وقد روي من وجه آخر مرسلا وروي موقوفًا على ابن عباس، فالله أعلم.وقال سفيان الثوري ووَكِيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قَيْس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.أخرجاه من حديث إسماعيل. وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة، والله أعلم.وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عمرو بن شُرحبيل قال: جاء مَعْقل بن مقرِّن إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني حرمت فراشي. فتلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.وقال الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كنا عند عبد الله بن مسعود، فجيء بضَرْع، فتنحى رجل، فقال [له] عبد الله: اُدْن. فقال: إني حرمت أن آكله. فقال عبد الله: ادن فاطعَم، وكفر عن يمينك وتلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية.رواهن ابن أبي حاتم. وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه، من طريق إسحاق بن راهويه، عن جرير، عن منصور، به. ثم قال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه.ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وَهْبٍ، أخبرني هشام بن سعد، أن زيد بن أسلم حدثه: أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله، وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يُطْعموا ضَيْفَهم انتظارًا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي، هو عليَّ حرام. فقالت امرأته: هو عليَّ حرام. وقال الضيف: هو عليَّ حرام. فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا باسم الله. ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم، ثم أنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} وهذا أثر منقطع.وفي صحيح البخاري في قصة الصديق رضي الله عنه مع أضيافه شبيه بهذا وفيه، وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه، ولا كفارة عليه أيضا؛ ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}؛ ولأن الذي حَرَّم اللحم على نفسه- كما في الحديث المتقدم- لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة. وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلا أو مشربًا أو أو شيئًا من الأشياء فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين، كما إذا التزم تركه باليمين فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه، كما أفتى بذلك ابن عباس، وكما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]. ثُمَّ قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} الآية [التحريم: 2]. وكذلك هاهنا لما ذكر هذا الحكم عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين، فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير، والله أعلم.وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مجاهد قال: أراد رجال، منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو، أن يَتَبَتَّلوا ويخصُوا أنفسهم ويلبسوا المسُوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} قال ابن جريج، عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحاب تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالإخصاء وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين يريد: ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا عليه من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الإخصاء، فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن لأنفسكم حقًا، وإن لأعينكم حقًا، صوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا». فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت.وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين، كما تقدم ذلك، ولله الحمد والمنة.وقال أسباط، عن السدي في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يومًا فذكر الناس، ثم قام ولم يزدهم على التخويف، فقال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا عشرة منهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون: ما خفنا إن لم نحدث عملا فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم، فنحن نحرم. فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودَك، وأن يأكل بنَهَار، وحرم بعضهم النوم، وحرم بعضهم النساء، فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء وكان لا يدنو من أهله ولا تدنو منه. فأتت امرأتُه عائشةَ، رضي الله عنها، وكان يقال لها: الحولاء، فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون، لا تمتشطين، لا تتطيبين؟ قالت: وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع عليَّ زوجي وما رفع عني ثوبًا، منذ كذا وكذا. قال: فجعلن يضحكن من كلامها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن، فقال: «ما يضحككن؟» قالت: يا رسول الله، إن الحولاء سألتها عن أمرها، فقالت: ما رفع عني زوجي ثوبًا منذ كذا وكذا. فأرسل إليه فدعاه، فقال: «ما لك يا عثمان؟» قال: إني تركته لله، لكي أتخلى للعبادة، وقص عليه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يَجُبَّ نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك». فقال: يا رسول الله، إني صائم. فقال: «أفطر». فأفطر، وأتى أهله، فرجعت الحولاء إلى عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد امتشطت واكتحلت وتطيبت، فضحكت عائشة وقالت: ما لك يا حولاء؟ فقالت: إنه آتاها أمس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام حَرَّموا النساء والطعام والنوم؟ ألا إني أنام وأقوم، وأفطر وأصوم، وأنكح النساء، فمن رَغِب عني فليس مني». فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} يقول لعثمان «لا تجُبَّ نفسك، فإن هذا هو الاعتداء». وأمرهم أن يكفروا عن أيمانهم، فقال: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ} رواه ابن جرير.وقوله: {وَلا تَعْتَدُوا} يحتمل أن يكون المراد منه: ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم في تحريم المباحات عليكم، كما قاله من قاله من السلف. ويحتمل أن يكون المراد: كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال، بل خذوا منه بقَدْر كفايتكم وحاجتكم، ولا تجاوزوا الحد فيه، كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [آل عمران: 31] وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] فشرعُ الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه، لا إفراط ولا تفريط؛ ولهذا قال: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. اهـ.
|